في محاولاتها لإنهاء الحرب في أوكرانيا، وإن كانت هذه المحاولات متسرعة، قد تتسبب إدارة الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، في كارثة عن قصد أو من دون قصد.
ويبدو أن المبعوث الخاص للرئيس دونالد ترامب، ستيف ويتكوف، قد وضع خطة سلام بعد سفره إلى موسكو، حيث عقد ثلاثة اجتماعات مطولة مع الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، لكنه لم يزر كييف ولو مرة واحدة للقاء الرئيس الأوكراني، فولوديمير زيلينسكي.
وتُقدّم هذه الخطة «أحادية الجانب» الآن للأوكرانيين على أساس «خذوها أو اتركوها»، حيث كتب ترامب أخيراً عبر الإنترنت أن زيلينسكي «بإمكانه أن يحصل على السلام، أو أن يُقاتل ثلاث سنوات أخرى قبل أن يخسر البلاد بأكملها».
هدايا لبوتين
ونشرت صحيفتا «تليغراف» و«أكسيوس» أكثر التقارير شمولاً عن الاقتراح الأميركي، المكوّن من عدد من النقاط، ولم يُنشر علناً.
ووفقاً لتقارير الصحيفتين، ستعترف الولايات المتحدة اعترافاً قانونياً بضم روسيا لشبه جزيرة القرم، واعترافاً فعلياً بسيادة روسيا على أجزاء من أربع مناطق أوكرانية أخرى.
وسيكون هذا مصحوباً بهدايا أخرى لبوتين، بما في ذلك الوعد بأن أوكرانيا لن تصبح أبداً جزءاً من حلف شمال الأطلسي (الناتو)، لكن يمكن أن تنضم إلى الاتحاد الأوروبي، وأن يتم رفع العقوبات الأميركية المفروضة على روسيا منذ ضمها لشبه جزيرة القرم في عام 2014، ما يفتح صفحة جديدة في التعاون الاقتصادي بين الولايات المتحدة وروسيا.
ما ستحصل عليه أوكرانيا في المقابل بعد انتهاء القتال، على الأقل في الوقت الراهن، ليس الكثير، باستثناء استعادة جزء صغير من منطقة خاركيف التي تحتلها روسيا.
«ضمانات أمنية قوية»
ورغم أن مسودة الخطة تتحدث عن «ضمانات أمنية قوية» لأوكرانيا، إلا أنه لا يوجد التزام أمني أميركي واضح بذلك.
ويقع على عاتق أوروبا مسؤولية حماية أوكرانيا، مع أن القادة الأوروبيين صرّحوا بأن أي قوات حفظ سلام يرسلونها ستحتاج إلى دعم أميركي.
ويبدو أن الاتفاق ينص على صفقة معادن أميركية أوكرانية، ومن الغريب سيطرة الولايات المتحدة على محطة زابوروجيا النووية العملاقة، كبديل لضمان أمني أميركي فعلي.
ولا يوجد حتى أي التزام أميركي بمواصلة إمداد أوكرانيا بالذخائر التي تشتد الحاجة إليها.
وسيثير هذا مخاوف مبررة في كييف من أن روسيا قد ستستغل وقف إطلاق النار الناتج عن الخطة لإعادة تسليح قواتها، مستغلة المكاسب غير المتوقعة التي حققها اقتصاد خالٍ من العقوبات، لتستأنف عدوانها على أوكرانيا خلال بضع سنوات، وهذا، على وجه التحديد، هو ما فعله بوتين بعد اتفاقيات مينسك للسلام في عامي 2014 و2015.
أخبار جيدة
غير أن هناك بعض الأخبار الجيدة في الخطة الأميركية، حيث لا تتضمن هذه الخطة مطالب الكرملين بنزع سلاح أوكرانيا، أو تغيير النظام في كييف، أو السيطرة الروسية الكاملة على جميع المناطق الأربع في جنوب وشرق أوكرانيا التي ضمتها روسيا، لكنها لم تحتلها بالكامل.
وقد أفادت صحيفة «فايننشال تايمز» بأن بوتين أبلغ ويتكوف بأنه ربما يتراجع عن مطلبه السابق بضم جميع المناطق الأربع، لكن من غير الواضح إذا
ما كان بوتين سيقبل الخطة الأميركية، لذا فالوضع ليس سيئاً كما كان يمكن أن يكون، لكنه مع ذلك مثير للقلق.
وسيجادل مؤيدو مسودة الخطة بأنها ببساطة تعترف بالواقع، ألا وهو أن روسيا تسيطر على نحو 19% من أراضي أوكرانيا (مساحة تعادل مساحة ولاية فرجينيا)، ومن غير المرجح أن تطردها القوات الأوكرانية في المستقبل القريب.
«مبدأ ستيمسون»
لكن الخطة تقوّض إحدى الركائز الأساسية للنظام العالمي لما بعد عام 1945، التي كانت أيضاً ركيزة أساسية في السياسة الخارجية الأميركية لما يقرب من قرن.
في عام 1932، عقب غزو اليابان لمنطقة منشوريا الصينية وفرض نظام عميل فيها، أصدر وزير الخارجية الأميركية وقتها، هنري ل. ستيمسون، مذكرة دبلوماسية، أوضح فيها أن واشنطن لن تعترف أبداً بالعدوان الياباني، ولو كانت احتمالات ردّه ضئيلة.
وعُرفت هذه المذكرة باسم «مبدأ ستيمسون»، وأعاد تأكيدها عام 1940 وكيل وزارة الخارجية الأميركية، سومنر ويلز، بعد أن احتل الاتحاد السوفييتي إستونيا ولاتفيا وليتوانيا بشكل غير قانوني، ولم تعترف الولايات المتحدة قط بالضم السوفييتي قبل أن تتحرر جمهوريات البلطيق عام 1991.
ميثاق الأمم المتحدة
هذا هو المبدأ نفسه الذي شكل أساس ميثاق الأمم المتحدة لعام 1945، والذي ينص على أن «جميع الأعضاء يمتنعون في علاقاتهم الدولية عن التهديد باستخدام القوة أو استخدامها ضد سلامة أراضي أي دولة أو استقلالها السياسي».
وخاضت الولايات المتحدة وحلفاؤها حرباً على العراق عام 1991 دعماً لهذا المبدأ الأساسي، بعد غزو الرئيس العراقي الراحل صدام حسين للكويت، وقد دافع عنه وزير خارجية ترامب في ولايته الأولى، مايك بومبيو، في ما يتعلق بشبه جزيرة القرم.
وكتب بومبيو عام 2018: «كما فعلنا في إعلان ويلز عام 1940، تؤكد الولايات المتحدة من جديد، كسياسة، رفضها الاعتراف بمطالبات الكرملين بالسيادة على الأراضي التي استولت عليها بالقوة في انتهاك للقانون الدولي».
خط أحمر
وتدعم أوكرانيا «مبدأ ستيمسون»، فقد قال زيلينسكي: «لن تعترف أوكرانيا قانونياً بضم شبه جزيرة القرم، لا مجال للحديث عنه، إنه مخالف لدستورنا»، لكن يبدو أن الولايات المتحدة مصرة، حيث انتقد ترامب نظيره زيلينسكي عبر موقع «تروث سوشيال» بشدة، مدعياً أن تصريحه «تحريضي» و«ضار جداً بمفاوضات السلام».
وهنا تجدر الإشارة إلى أن الرئيس الأوكراني لم يستبعد إمكانية قبول الاحتلال الروسي لشبه جزيرة القرم مؤقتاً، باعتباره واقعاً مزعجاً، لكنه لا مفر منه.
في العام الماضي، اعترف زيلينسكي قائلاً: «ليس لدينا ما يكفي من القوات لإعادة شبه جزيرة القرم، ويجب أن نلجأ إلى الوسائل الدبلوماسية». خط زيلينسكي الأحمر هو رفض الاعتراف القانوني بالاحتلال الروسي، وهذا ما يجب أن يكون خط أميركا الأحمر أيضاً.
مكافأة العدوان
وطمس ترامب المسألة على موقع «تروث سوشيال»، وكتب أنه «لا أحد يطلب من زيلينسكي الاعتراف بشبه جزيرة القرم كأرض روسية».
ومع أن هذا قد يكون صحيحاً من الناحية الفنية، إلا أن تصديق الولايات المتحدة - حليفهم الأقوى - على احتلال شبه جزيرة القرم كجزء من اتفاق سلام تتوقع من كييف الالتزام به، لن يُشعر الأوكرانيين بالراحة.
إذا حاول ترامب إجبار أوكرانيا على قبول هذه الخطة أحادية الجانب، فإنه بذلك يُكافئ العدوان، ويجعل العالم مكاناً أكثر خطورة.
وينتاب حلفاء أميركا الأوروبيون القلق من احتمال أن يُفسر بوتين هذا التنازل على أنه دعوة لمزيد من العدوان على جورجيا ومولدوفا ودول البلطيق. عن «واشنطن بوست»
إشارة بالغة الخطورة
أعرب محللون عن مخاوفهم تجاه نظرة بكين في حال قبول الخطة الأميركية للسلام في أوكرانيا، فقد تحسب الصين أنها إذا هاجمت تايوان، فإن الولايات المتحدة ستقبل الحقائق الجديدة على الأرض.
وقالوا إن هذه إشارة بالغة الخطورة، فهي تزيد من خطر اندلاع حرب كبرى في آسيا، وتُعرّض للخطر ديمقراطية موالية للغرب تُنتج أكثر من 90% من أشباه الموصلات الأكثر تطوراً في العالم، ولذلك ينبغي على الولايات المتحدة الوفاء بالتزاماتها التاريخية، وألا تتخلى عن أوكرانيا، أو عن «مبدأ ستيمسون».
. واشنطن ستعترف اعترافاً قانونياً بضم روسيا لـ«القرم»، واعترافاً فعلياً بسيادة موسكو على أجزاء من أربع مناطق أوكرانية أخرى.
0 تعليق