د. عبدالعظيم حنفي*
في عام 1953 برهن العالم الرياضي الموسوعي كينيث آرو على أن الرياضيات الحديثة يمكن أن تكون مفيدة، وذلك عن طريق إعطاء نظرية المجموعة تطبيقاً اقتصاديا واضحاً. تعلم الاقتصاديون والتجار منذ زمن كيف يكتبون عقداً خيارياً - بمعنى كيفية إضافة وصف إلى سلعة مادية ويتضمن إضافة وصف إلى سلعة مادية على التاريخ والمكان والظروف التي سيتم من خلالها توصيل تلك السلعة (على سبيل المثال، إذا ما كان هناك تجميد). وفى الثلاثينات، كان جون هيكس قد قام بتأريخ جميع السلع في التحليلات الخاصة به مثل قوله إن القمح الذي يتم توصيله في شهر مايو يمكن أن يكون له سعر مختلف عن القمح الذي يتم توصيله في أغسطس (كانت كتابة العقود المستقبلية أمراً معروفاً في أوساط المزارعين على أي حال). والآن أخذ «آرو» تلك التحليلات وسار بها خطوة إلى الأمام. في ورقة بحثية كتبت في سبع صفحات أعدت من أجل مؤتمر تم تنظيمه في باريس. قام «آرو» بتعميم فكرة سوق الخيارات «options market» لتشمل كل شيء في الاقتصاد، وكل موقف يمكن تصوره كذلك. وذلك عن طريق استخدام الأدوات الحديثة لنظرية المجموعة والطوبولوجيا، قام بكتابة نموذج وجدت فيه نفس السلعة المادية بالنسبة لكل شيء وكل شيء في سوق مستقبلية، وذلك عن طريق إضافة التعريف المادي لكل سلعة إضافة إلى تعريف آخر لتوضيح «حالة العالم» الذي ستوجد به السلعة. كان هذا وصفاً دقيقاً لدرجة أنه لم يقم فقط بتعريف الحالة الأولية للسلع، ولكن جميع الاحتمالات التكنولوجية أيضاً. وبذلك أصبح عدم التيقن مفهوماً إحصائياً، أي أنه أصبح أمراً متعلقاً بمعرفة احتمالات أن أحد الاحتمالات سوف يصل في نهاية الأمر وفقاً للزمان والمكان اللذين تم تحديدهما. أصبح جهاز المفاهيم الجديد معروفاً بأنه صياغة لحالة الوحدة «Stat Contingent» وهو ما مكن الاقتصاديين من تخيل عالم سيكون سوقاً لكل نوع يمكن تصوره من السلع والأصول تحت أي نوع من الممكن تصوره من الظروف. وأطلق عليه «آرو» اسم السوق الكامل. «The complete market» حتى المؤثرات الخارجية تمت تغطيتها بطريقة جيدة عن طريق الصياغة الحديثة. لم يعد من اللازم وصفها ببساطة على أنها «شيء في الهواء»، بدلاً من ذلك أصبح يمكن وصفها على أنها «سلع تمر من شخص لآخر ولكن لا يوجد سوق مناسب لها».. أو كما أشار أحد الاقتصاديين في ما بعد، بمعنى أنه حقوق الملكية الخاصة بها (أو التحرر منها) بشكل تام.
وكان ذلك يتضمن المطالبة الموحدة التي كانت فكرة فريدة من نوعها في التأمين الشامل ضد أي نوع من المخاطر. قيمة بوليصة التأمين على الحياة في حالة الوفاة في تضاد مع عام كامل من الصحة الكاملة. قيمة أردب القمح إذا ما كانت هناك أمطار غزيرة في أغسطس، وقيمة نفس الأردب إذا لم يكن هناك أمطار. حصة من الأسهم الاعتيادية إذا ما استطاعت الشركة أن تحقق قدراً أفضل أو أسوأ من المكاسب المستهدفة. أدت الرؤى الخاصة بآرو إلى قلب نظرية التوازن العام إلى نظرية لعدم التيقن في عالم تم فيه وضع احتمال لكل شيء يمكن أن يحدث ومن ثم يتم التعامل مع هذا الشيء على أنه قابل للحدوث.
ويمكن كتابة عقود موحدة حقيقية لتلك السلع، وإذا تم إنشاء السوق، واستطاع الباعة والمشترون بحساباتهم المختلفة للاحتمالات أن يتاجروا في تلك السلع. في حقيقة الأمر، كان التجار العمليون يبذلون نفس القدر من المجهود في أجران الحبوب وأسواق التأمين لقرون كاملة. وبالنسبة لهذا النوع من التجريد، تكون البيانات الرياضية متضمنة على فضاء هيلبرت حتى يتسنى لها أن ترتفع. وهنا بدأ حدوث فهم نظري عميق للممارسات الاعتيادية.
كانت فترة الخمسينات فترة من التقدم السريع في مجال الاقتصاد الرياضي. استمرت علبة الأدوات في النمو. قبل الحرب تضمنت تلك العلبة على حساب التفاضل وعلى جبر المصفوفات. والآن تم إضافة تحليلات التحدب، ونظرية المجموعات والطوبولوجيا العامة والطوبولوجيا في الجبر، ونظرية القياس، ونظرية الفضاء لا نهائي الأبعاد والتحليلات العالمية والتحليلات غير الاعتيادية وكانت هذه بأي حال من الأحوال، ليست القائمة بأكملها. في عام 1959 نشر ديبرو نظرية القيمة: تحليل بديهي للتوازن الاقتصادي. وسرعان ما ظهر هذا الكتاب على أنه الصيغة القياسية للاقتصاد الطوبولوجي الحديث، وهو أكثر نماذج الاقتصاد براعة وإيجازاً منذ ظهور الجدول الاقتصادي بكونای. Tableau Economique وهو أكثر عمومية منه.
أصبح نموذج الحالة الموحدة آرو ديبرو في واقع الأمر بعد أن تم ترميزه وتحميله على أجهزة الحاسوب جدولاً للبيانات الإلكترونية وذلك قبل سنوات من العمل على إعادة حساب جداول البيانات الإلكتروني الابتدائية واختراعها. ورغم كل شيء، فإن جدول البيانات الإلكتروني ما هو إلا مجموعة من المعادلات التي تم ترميزها داخل الحاسوب لتصف العلاقة بين الأرقام التي تم ترتيبها في صفوف وأعمدة. أما مفهوم آرو ديبرو فلم يكن جدولاً إلكترونياً اعتياديا، على أي حال، يعود الفضل لنظرية المجموعة ورياضيات التحدب وكان جدول البيانات الإلكتروني لا نهائي الأبعاد، بمتجهات بدلاً من الصفوف والأعمدة، قادراً على وصف على الأقل من الناحية النظرية جميع الاحتمالات لجميع الأسواق لجميع السلع في العالم.
* كاتب مصري
ملحوظة: مضمون هذا الخبر تم كتابته بواسطة صحيفة الخليج ولا يعبر عن وجهة نظر مصر اليوم وانما تم نقله بمحتواه كما هو من صحيفة الخليج ونحن غير مسئولين عن محتوى الخبر والعهدة علي المصدر السابق ذكرة.
0 تعليق