كتب: كمال ميرزا
قرار المحكمة الجنائيّة الدوليّة (أخيراً!) بإصدار مذكرتي اعتقال بحق رئيس وزراء عصابة الحرب الصهيونيّة "بينيامين نتنياهو" ووزير حربه المُقال "يوآف غالاتت" هو خبر ينضوي على جانبين حلو ومُرّ!
الجانب الحلو أو المفرح أنّ رعاة "نتنياهو" وداعموه، أي أولئك الذين يشنّ حرب الإبادة والتهجير بالأصالة عنهم، ومن أجل إعادة احتلال غزّة وغازها وشاطئها وموقعها الجغرافي.. قد رفعوا أيديهم عنه، أو على الأقل بدأوا بذلك، وهذا أمر منطقيّ!
فنتنياهو وعصابة حربه قد أخذوا فرصتهم بـ "الصاع الوافي" من أجل إنجاز "المهمّة" المطلوبة منهم، وقد فشلوا في ذلك فشلاً ذريعاً بعد أكثر من (410) من الإبادة المستمرة والدمار المتواصل، لدرجة أصبح فيها مسار المواجهة والأحداث في "الميدان" يتخذ منحى عكسيّاً وفي غير صالح الكيان ورعاته وأعوانه ومخططاتهم لـ "إعادة ترتيب الشرق الأوسط" تحت مسمّيات "صفقة القرن" و"السلام الاقتصاديّ".
كما أنّ نتنياهو وعصابة حربه قد أصبحا عبئاً ثقيلاً، على الغرب عموماً، وأمريكا على وجه التحديد، سيما أنّ تماديه في غطرسته وعنجهيته قد بلغ حدّ تصوير أنّه وكيانه هما الآمران الناهيان اللذان يحرّكان العالم وأمريكا، وهذا يتنافى مع حقيقة أن ما تسمّى "إسرائيل" هي أولاً وأخيراً جيب استيطانيّ أسّسه المشروع الرأسماليّ الاستعماريّ الصهيونيّ الغربيّ في المنطقة من أجل خدمة مصالحه وهيمنته.
وإلى جانب الغرب وأمريكا، فقد أصبح نتنياهو عبئاً على أصدقائه وحلفائه وأعوانه العرب، والذين لم يُبقِ لهم هامشاً من ماء الوجه أمام شعوبهم، أو تمويه وتبرير تخاذلهم وتواطؤهم وتماهيهم مع مخططات الإبادة والتهجير، والقضاء على المقاومة، وتصفية القضية الفلسطينيّة، والأدوار الوظيفيّة التي لعبوها لسنوات طويلة ما قبل "طوفان الأقصى" وما يزالون يلعبونها للآن من أجل تهيئة دولهم وشعوبهم لاستحقاقات السلام والتطبيع والأخوّة الإبراهيميّة القادمة.
وعموماً، من المتوقع أن تكون الخطوة التالية هي التخلّص من نتنياهو بالمعنى الماديّ الفيزيقيّ للكلمة، أي اغتياله! فإلقاء القبض عليه ومحاكمته وما سيصاحب هذه الخطوة من لغط وجدل وتجاذبات.. كلّ ذلك سيكون مصدراً لـ "وجع راس" لا طائل منه و"عزارةٍ" الجميعُ في غنىً عنها، و"الأريح" لكافة الأطراف هو التخلّص منه.. وكان "يهوه" بالسرّ عليماً!
وغالباً سيكون اغتيال نتنياهو على يد شخص منه وفيه، أي شخص يمينيّ متطرّف مثله، حتى لا يكون اغتياله مدعاة لانقسام وصدام واحتراب صهيونيّ داخليّ، وبحيث تكون التهمة مُزاوِدة لا يستطيع حتى اليمينيّون الاعتراض عليها: نتنياهو لم يكن يمينيّاً كما ينبغي، أو أنّه قد خان يمينيّته ولم يرعها حقّ رعايتها!
ونفس هذه التهم ونفس هذا المصير يمكن أن يواجه في المستقبل وجوهاً ورموزاً أخرى من رموز عصابة الحرب الصهيونيّة مثل "بن غفير" و"سموتريتش".
أمّا الجانب المر أو الخطير الذي ينضوي عليه خبر إصدار مذكرة اعتقال بحق "نتنياهو" و"غالانت" فيمكن تلخيصه بالمحاذير التالية:
أولاً: إعطاء فرصة للدول الغربيّة لـ "التطهّر"، خاصة الدول التي أعلنت التزامها بتنفيذ مذكرة الاعتقال، وتضييع وتمييع حقيقة أنّها شريك أساسيّ في جميع الجرائم المقترفة بحقّ الشعب الفلسطيني بحكم الغطاء والدعم غير المحدودين اللذين توفرهما للكيان الصهيونيّ.
ثانياً: التضحية بنتنياهو وزمرته كـ "أكباش فداء"، وتمويه وتضييع حقيقة أن ما تسمّى "دولة إسرائيل" هي كيان استعماريّ إحلاليّ القتل والتدمير والفاشيّة والعنصريّة هي مركبات وجوديّة/ أنطولوجيّة في أصل تكوينها.
ثالثاً: تقوية موقف الأنظمة العربية والإسلاميّة التي ظلّت طوال هذه المدّة تختبئ وراء ما يسمّى "المجتمع الدوليّ" وتقرن تحرّكها بضرورو تحرّكه، وذلك لتبرير تقاعسها، وإحجامها عن القيام بواجبها، وعدم الإتيان ولو بأقل القليل من أجل نصرة الشعب الفلسطيني، كقطع وتجميد كافّة العلاقات مع الكيان الصهيونيّ على سبيل المثال.. وإضفاء وجاهة و"عقلانيّة" زائفة على موقف هذه الأنظمة المتخاذل.
رابعاً: احتفاؤنا وتهليلنا و"قبولنا" بقرار المحكمة الجنائيّة الدوليّة يُعتبر إقراراً ضمنيّاً بشرعيّة قرارات هذه المحكمة، وفي ذلك إعفاء وتبرئة لها من تهمة "الانحياز" و"ازدواجيّة المعايير" هي ومجمل ما يُسمّى القانون الدوليّ والشرعيّة الدوليّة. كما أنّ هذا يسدّ أمامنا الطريق ويسلبنا الذريعة لرفض أي قرارات منحازة ومتجنّية قد تصدر عن المحكمة في المستقبل وتصبّ في غير صالحنا وتطال رموزاً وطنيّةً وسياسيّةً أو قيادات المقاومة.
خامساً: مذكرة الاعتقال الصادرة عن المحكمة الجنائيّة الدولية لم تقتصر على "نتنياهو" و"غالانت"، بل ضمّت إليهما أيضاً اسم البطل القائد "محمد الضيف"، وجمع اسم "الضيف" إلى اسميّ "نتنياهو" و"غالانت" فيه محاولة خبيثة للمساواة بين الضحيّة والمجرم، وفيه محاولة أخبث لتصوير أنّ أفعال المقاومة وبطولاتها هي أيضاً "جرائم حرب" و"جرائم ضد الإنسانيّة" تكافئ ما يقترفه الكيان وزبانيته.
سادساً: ورود اسم القائد محمد الضيف في مذكرة التوقيف، يشرع الباب لإصدار المزيد من مذكّرات التوقيف المشابهة بحقّ المزيد من أبطال وقيادات المقاومة في الداخل والخارج. وإذا كان هناك اعتبارات سياسيّة وإجرائيّة قد تعيق تنفيذ مقتضى مذكرة التوقيف بحقّ "نتنياهو" و"غالانت"، فإنّ مهمة تنفيذ مثل هذه المذكرات بحقّ قيادات المقاومة وإمكانيّة "تصيّدهم" وتسليمهم من قبل هذه الدولة أو تلك قد تكون أسهل، خاصة قيادات الخارج التي أصبحت بحكم الهائمة على وجهها وتبحث لنفسها عن مستقر بعد أن تخلّت عنها وتنصّلت منها بعض العواصم العربية.
خلاصة الكلام، فرحتنا بصدور مذكرة اعتقال بحق "نتنياهو" وقرب نهايته هو وعصابته بمشيئة الله، لا ينبغي أن تنسينا المبدأ الذي طالما نبّهنا إليه وحذّرنا منه: "احذروا الشرف الذي يهبط على أهله فجأةً"!
0 تعليق