الهوية الوطنية الأردنية ليست مجرّد هويّة تُشبه غيرها من الهويّات القُطريّة اللواتي وُلِدنَ في المنطقة بعد إنتهاء مملكة سوريا الفيصلية، فهي تمثل حالة خاصة لأنّها الوحيدة التي حافظت على إرث الثورة العربيّة الكُبرى بمشروعها القومي الوحدوي العروبي.
وفي ظل ما تشهده المنطقة من محاولات استعماريّة لإعادة رسم وتشكيل خارطتها السياسية وتوزيعاتها الديموغرافيّة بما يتوافق مع مصالح الكيان الصهيوني والمصالح الأمريكيّة والغربية في المنطقة، تقف الهوية الوطنية الأردنية أمام اختبار حقيقي لقدرتها على تجديد نفسها دون المساس بجوهرها.
ممّا يدفعنا لإعادة ترسيم العلاقة بين مفهومي الوطنية والمواطنة، والاتفاق على مقصود واضح لهما يبيّن طبيعة دورهما في تشكيل وصون الهوية الوطنية.
فالهوية الوطنيّة الأردنية منذ ولادتها ولغاية اللحظة كسرت حاجز الانتماء الجغرافي والإثني، وتعدّته إلى إنتماء روحي عميق إلى ثورة عربيّة قادها شريف مكٌة الحسين بن علي، وانحصرت بعد العديد من الأحداث الجسام في دولة أردنيّة ذات شرعية تاريخية.
وقد تشكلت هذه الهوية على أساس قومي عروبي وجذور إسلاميّة هاشمية، جمعت بتناسق مذهل مزيجًا ثريّاً من المكونات الثقافية والاجتماعية التي شملت على اختلاف الأصول والمنابت البدو والحضر، والشاميّين والفلسطينيين، والشركس والشيشان وغيرهم، والتي صهرتهم في بوتقة وطنية أردنيّة واحدة.
هذه الوطنية التي تسكن في قلوب الأردنيين وتظهر حُبّاً على جوارحهم تُعبّر بعاطفةٍ عن عُمق إنتمائهم للأردن، وعظيم ولائهم لقيادته.
لكن الوطنية لا تكتمل إلا بتحقيق المواطنة، والتي يتساوى فيها الجميع بالحقوق والواجبات، ويتاح لهم -دون تمييز- بالمشاركة الفاعلة في الحياة العامة، ويتمكنون دون عوائق من مساءلة السلطة التنفيذيّة ومحاسبتها، وذلك كلّه من خلال قانون ناظم منبثق عن الدستور ويحترمه ويلتزم به الجميع.
واجهت الهويّة الأردنيّة عبر العقود الماضية تحديّات عديدة، لعلٌ أبرزها ما طرأ على المنطقة وفرضته الأحداث من تغيرات ديموغرافية بسبب اللجوء المُتكرّر، بالإضافة إلى التحديات الاقتصادية التي عصفت في المنطقة وأضعفت ثقة المواطن بالمؤسسات.
وكلّ ما سبق في كفّة والمخاوف السياسية المتعلقة بالقضية الفلسطينية في كفٌةٍ أخرى.
فالتهديد المستمر من قبل العدو الصهيوأمريكي بالتهجير والمطالبات والضغوط التي تمارسها القوى الإستعمارية على الأردن لقبول التهجير والتوطين، تثير المخاوف لدى الأردنيّين من المساس بالهوية الأردنية، ما يفرض علينا واجب الاجتماع على خطاب وطني واحد، يوازن بين الثوابت والانفتاح، دون المساس بجوهر الهوية الوطنية الأردنية وإرثها التاريخي، ورؤية وطنية شاملة تنطلق من محاور عمل إصلاحيٌة لعلّ من أبرزها:
- إصلاح منظومة التعليم باعتبارها الحاضنة الأساس لبناء القيم الوطنية والإنسانية، وصناعة الانتماء والولاء.
- توحيد الخطاب الإعلام الوطني ومنهجته وتوظيفه في بناء الوعي وتكريس الهوية الوطنية الأردنية الجامعة لجميع مكوّنات المجتمع الأردني على أساس الوطنية والمواطنة.
- احترام التنوع الثقافي الذي لا يتعارض ومفهوم المواطنة.
إن الهوية الوطنية الأردنية ليست مجرٌد كلام إنشائي، أو خطاب عاطفي نردده في المناسبات، بل هي ممارسة يومية، يثمر عنها عمل نهضوي وطني صادق.
فهي وعدُ ماضٍ، ومسؤوليةُ حاضرة، وأملُ مستقبل.
0 تعليق