شهدت جلسة مجلس النواب الأردني الأخيرة مشهداً لا يليق بمؤسسة يفترض أن تكون نموذجاً للحوار الرصين والتعاطي العقلاني مع القضايا الوطنية. فبدلاً من الانخراط في نقاش مسؤول حول مستجدات قضية خلية الـ16 التي أعلنت الأجهزة الأمنية عن تفكيكها مؤخراً، اتسمت الجلسة بجو من التوتر وتبادل الاتهامات، الأمر الذي حال دون الوصول إلى نقاش هادف وبنّاء تحت قبة البرلمان.
المقلق في الأمر ليس فقط ما رُفع من عبارات قاسية، بل في غياب المنهج القانوني في التعامل مع ملف لا يزال في عهدة القضاء، مما يستدعي التريث والاحتكام للمسارات الرسمية. لقد سادت أحياناً لغة التخوين والإقصاء، وظهرت محاولات لتصنيف المواقف والنواب بطريقة قد لا تنسجم مع مبادئ العدالة والإنصاف.
من المهم في مثل هذه اللحظات الدقيقة أن تضطلع المؤسسة التشريعية بدورها الوطني في تعزيز التماسك الداخلي، وتوجيه النقاش نحو مقاربة واعية توازن بين حماية الأمن الوطني والحفاظ على حرية الرأي والنقاش.
البلاد اليوم بحاجة إلى ترسيخ منطق الدولة، وتغليب المصلحة الوطنية على أي مكاسب خطابية آنية، بعيداً عن أي تصعيد غير مبرر أو خطابات استعراضية. التحديات الأمنية حقيقية، ولا خلاف على أهمية مواجهتها، لكن ذلك يجب أن يتم ضمن إطار يحترم وحدة الصف ويبتعد عن الانفعال والمزاودة.
ما جرى في الجلسة الأخيرة يشير إلى ضرورة مراجعة آليات النقاش داخل المجلس، وسبل تعزيز الدور الرقابي والتشريعي بطريقة تساهم في خدمة الصالح العام. المطلوب اليوم هو التهدئة لا التصعيد، الحوار لا التناحر، والقانون لا الحكم المسبق.
فهل يلتقط مجلس النواب هذه الرسالة ويعيد ضبط إيقاع خطابه؟ أم أننا سنبقى أسرى دوامة من الشعارات والانفعالات التي تُبعدنا عن جوهر القضايا الوطنية؟
.
0 تعليق